إشكاليّة التّعليم في الجزائر
العلم أشرف ما رغب فيه الرّاغب، وأفضل ما طلب وجدّ فيه الطّالب، وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب لأنّ شرفه ينمّ على صاحبه، وفضله ينمي عند طالبه، فكفى بالعلم شرفا أن يدّعيه ما ليس يتقنه ، ويفرح أذا نسب إليه ، وكفي بالجهل ذمّا أن يتبرّأ منه من هو فيه، ولأنّ العلم لا يكون إلّا بالتّعلم فقد دأبت الدّول وحكومات على مرّ الأزمان على بناء المدارس وتشييد الجامعات راغبة في الوصول إلى مصاف الدّول الأكثر تطوّرا ، وبلوغ سلّم المجد.
ولعلّ أهمّ ما حرصت عليه الدّولة الجزائريّة بعد الاستقلال هو النّهوض بالتّعليم في مختلف أطواره، وذلك بتشييد المؤسّسات التّربويّة والتّعليميّة على مستوى التراب الوطني للحدّ من الأميّة التي فرضتها سياسة المستدمر الفرنسي باستقدام مؤطّرين أكفاء سواء من الدّول الشقيقة أم الدّول الغربيّة هذه الأخيرة التي كان له باع في العلوم والتكنولوجيا.
وبمرور الوقت امتلكت الجزائر طاقة شبابية كبيرة مثقّفة استطاعت النّهوض بالجزائر وترك بصمتها، والنّبوغ في مجالات مختلفة ليس فقط في بلادها فحسب، بل حتّى في الدّول التي هاجرت إليها بشهادات خبرائها، فكانت منبرا لمريدي العلم في أقطاب الأرض.
ومع تسارع الأحداث تبيّن للعاقل تغيّر الزّمان، ولاح للّبيب تبدّله، فعزمت الدّولة الجزائرية استحداث أنظمة جديدة تستجيب للمستجدّات من خلال منظومة تربويّة بمناهج جديدة تتماشى والأهداف المسطّرة لأنّ أيّ مجال لا يخلوا من التّحديات فقد واجهت العديد منها لعلّ أبرزها على سبيل المثال لا الحصر:
- المؤسّسات التربويّة تعاني نقصا كبيرا في الأثاث المدرسي، داخل الأقسام والمخبر، وكذا المعدّات والتّجهيزات (كالأوراق، وآلات النّسخ، والحبر)، بل في بعض المناطق تكاد تكون منعدمة( الكهرباء، والمواصلات إلى غير ذلك).
- عدم التناغم بين التكوين الكلاسيكي للأستاذ وبين المناهج المستحدثة والتي تتطلّب مستوى عال من الكفاءة، والمهارات الخاصّة.
- مؤسّساتنا التّعليمية تعاني من تدهور في المستوى الأخلاقي، وقد يتجلّى في تنامي ظاهرة العنف ، والتنمّر التي لم تنحصر بين التلاميذ فحسب بل قد مسّت حتى المدرّسين مثلما شاهدنا مؤخّرا في وسائل التّواصل الاجتماعي، وهو ما انعكس سلبا على الأداء التعليمي داخل القاعات فأطاحت بمستوى التعليم للحضيض، والإحصائيات خير برهان.
- قلّة النظافة ، حيث أصبحت المؤسّسات التعليمية بؤرة للتّلوّث البيئي، وخطرا على صحّة المتعلمين والأسرة المدرسية.
كثافة المناهج، وكثرة المواد المقرّرة، والضّغط العالي الواقع على الأستاذ خاصة في ظلّ اكتظاظ القاعات، و كذا الأولياء بسبب اضطرار الكثير منهم إلى دفع نفقات دروس الدعم التي أثقلت كاهل الأسر المحدودة الدّخل، وهو ما دفع الكثير من التلاميذ إلى ترك مقاعد الدراسة للتّوجّه نحو الحياة المهنيّة.
وعلى الرّغم من كلّ هذه العراقيل تحاول الحكومة التعامل بحكمة ومرونة وواقعيّة من خلال التّحسين من وضعيّة المؤسّسات التّعليميّة، والارتقاء بالمستوى الفكري للطاقم التربوي بتكثيف ورشات وتخصيص دورات تدريبية تنشّط على مستوى المؤسّسات أو مديريات التربية، فضلا عن الحرص على إكسابهم مختلف المعارف العلمية ومساعدتهم على التّحكّم في التكنولوجيا، فضلا عن خلق منظومة تربويّة يكون الأستاذ هو العصر المحرّك والفاعل مع إعطاء أهميّة كبيرة للتلميذ من أجل المشاركة في تنشيط الحصص.
- تكوين إطارات من المكوّنين ذوي خبرات، وتجارب، وكفاءات علمية رصينة ومتميّزة تعمل على وضع برامج مسايرة للتطور، واعتماد طرق ومناهج تعليم ترتقي بالمؤسّسات التعليمية .
- تهيئة المؤسّسات التعليمية بأحدث المعدّات والوسائل ضمن مواصفات الجودة التعليمية.
- خلق بيئة مدرسيّة صحيّة متكاملة تحفظ سلامة وأمن الأسرة التربوية، والتلاميذ.
- العمل على جودة المناهج التعليمية إضافة إلى المادة العلمية الرصينة والمتطوّرة بحسب مستويات التلميذ والأهداف المنشودة.
وهناك الكثير من التّحدّيات والمتطلّبات الواجب توفيرها في مؤسّساتنا التعليميّة لتحقيق النجاح والتميّز، خاصّة أنّ التعليم يعدّ القلب النابض والمحرك المسؤول عن أي تغيير ثقافي واجتماعي، واقتصادي، للالتحاق بركب الدّول الرائدة في ميدان العلوم والتي لم تذّخر جهدا لبلوغ سلّم المجد بنور العلم الذي هو قبسة من نور الله الذي جعله وضّاحا مبصرا وجوده رأس كلّ خير وانعدامه رأس كلّ شرّ.
بقلم: Nedjet ST
التعبيراتالتعبيرات