الاثنين، 13 أبريل 2020

التعليم و وسائل الاتصال

التصنيفات


التعليم و وسائل الاتصال





منذ النّشأة الأولى للخلق ظهرت حاجة الإنسان الفطرية للتّعلم، من خلال عملية التّواصل مع الآخرين تلبية لاحتياجاته المادية من مأكل، وملبس، ومسكن ، و إشباعا لرغباته الذهنية والنفسية كالتعبير عن أفكاره والبوح بمشاعره ، و إرضاءً لفضوله المعرفي في تبادل الأخبار والوقائع، واكتساب التجارب مع محيطه .


إذن، فما هو الاتصال ؟ وما علاقته بالتعليم ؟ وكيف خدمت وسائله المتعلم ؟ وهل حققت الجزائر نهضة في هذا المجال ؟.
إنّ المجتمعات البشرية قد تعلّمت أساليب التواصل كاستخدام الدخان و النّار و قرع الطبول في القبائل البدائية مثلا فكانت من وسائلها المتاحة والمعروفة للإشهار  بخبر أو الإنذار بخطر، ومع مرور العصور و تطور العلم و التكنولوجيا ازدادت رغبة الإنسان لتعلّم أساليب جديدة وابتكار طرق مختلفة حيث قطعت البشرية أشواطا رائدة في هذا المجال حيث تعلم تنويع أدوات التواصل بتنوع الفئات المخاطبة وبتباين مستوياتها الفكرية والثقافية و باختلاف مرجعياتها ؛ فالاتصال في ما معناه هو طريقة يتفاعل بها الفرد مع من حوله ويشارك أسرته و مجتمعه أفكاره ومشاعره من خلال تبادل المعلومات، والمعارف، والخبرات، التي تكوّنت على إثرها العلاقات وتحققت مظاهر التماسك والتكافل الاجتماعي في جميع مناحي الحياة.


   وإذا تطرقنا إلى علاقة الاتصال بمجال التعليم نجدها قد نالت حظا وافرا فالمعلّم يستخدم الوسائل المتاحة لإيصال فكرته للمتعلّم فتارة بالاتّصال الشّخصي المباشر داخل الصف في المؤسّسة التعليمية، وتارة أخرى بأساليب غير مباشرة باستخدام وسائل اتّصال سمعية بصرية لتحقيق هذا الغرض ، نذكر منها :

أوّلا – الرّاديو :


 هو وسيلة من وسائل الاتّصال السّمعية اخترعه العالم الإيطالي (جوليلمو ماركوني) عام 1895م، وقد أثّر هذا الابتكار في الملايين من الناس حيث أصبحوا مهووسين  بالاستماع لآخر الأخبار والوقائع، وأحدث المستجدّات فأسهم في تثقيف المجتمع بكلّ أطيافه وفئاته ولكونه لا يحتاج إلى بنية تحيّة ولا إلى تكاليف باهظة فقد أدّى دورا  كبيرا وفعّالا في مجال التعليم حيث وفّر الجهد والمال والوقت فجذب انتباه الطالب وتركيزه بعيدا عن ضغط الصف وتقاليد المؤسّسة التّعليمية، نذكر من هذه البرامج الإذاعية: "أرض الأمجاد" وهي حصّة تعليمية تعني بتاريخ الجزائر عبر كل العصور والأزمنة  وبرنامج "بين الثّانويات"و هو بثّ مشترك إذاعي تلفزيوني يتبارى فيه الطلبة من مختلف أرجاء الوطن، إلى جانب برنامج "صوت الشباب" أسّسه مجموعة من الطلبة سنة 2014م، ويعد أوّل برنامج إذاعي جزائري لتعليم اللغة الإنجليزية إضافة  إلى برامج تعليمية أخرى عديدة شجّعت التعليم عن بعد ومهدت الطريق لطالبي العلم و ومريدي المعرفة وهو لا يزال إلى اليوم وسيلة إعلامية هادفة تحتفظ بمكانتها لدى الكثير من الشعوب على الرغم من أنّ الكثير يعيب عليه-الراديو- حقيقة انّه أحادي الاتجاه لغياب التفاعل المباشر بين المعلّم والمتعلّم وكما قيل: " ازدحام العلم في السمع مضلة الفهم".

ثانيا- التّلفزيون:


يرجع الفضل في اختراعه إلى العالم البريطاني (جون بيرد) عام 1934م، وهو الوسيلة الأكثر شيوعا لأنّه يتخطّى الحواجز الجغرافية ، والمساحات الواسعة المترامية الأطراف و المناطق النائية، فالتفّ حوله الناس بمختلف لهجاتهم وعقائدهم وأجناسهم وميولهم ولأنه وسيلة جمعت بين الصوت والصورة والحركة واللون فقد خطف الأنظار ولفت انتباه المشاهدين وهو ما ساعد على تعليم وتثقيف النشء من خلال برامج تلفزيونية  متنوعة كانت معروفة آنذاك على غرار " الحديقة الساحرة" عام 1973م، حيث شارك فيها تلاميذ المدارس بتقديم عروض وأناشيد وتمثيليات ممتعة تعلّق بها الصغير والكبير، و نجد برنامج "بين الثانويات"

 المشهور الذي  أثرى الرصيد المعرفي للطلبة وحبّبهم في العلم والمعرفة وهي مسابقة فكرية تتبارى فيها مختلف ثانويات الوطن ، وأيضا برنامج "استراحة الاثنين" عام 1989م وهي حصة موجهة للأطفال حيث ربّت جيل الثّمانينات والتّسعينات على حُبّ المعرفة ونمّت فيهم مواهب الرسم وإلقاء الشعر والأناشيد وعرض المسرحيات فاستجاب له جمهور كبير من الأطفال وتفاعلوا معه ، وبظهور التلفاز الرقمي خصصت قنوات لبثّ برامج تعليمية تدعم المسيرة الدراسية للتلميذ وتعدّ كتعويض للنقص الحاصل في أحد أطراف

العملية التعليمية كالأستاذ أو المؤسسة التربوية وعلى هذا الأساس ارتأت الدولة الجزائرية اعتمادها كإستراتيجية لإتمام الفصل الثالث من السنة الدراسية (2019م-2020م) للأطوار التعليمية النهائية من التعليم الابتدائي، المتوسّط، الثانوي من خلال برنامج "مفاتيح النجاح" وتزامنا مع انتشار الفيروس التاجي المستجد كورونا كوفيد19 ( 19-covid) الذي اجتاح العالم وأدخل الشعوب في بوتقة الخوف والهلع دفع الدولة الجزائرية من خلال وزارة التربية الوطنية انتهاج هذه الطريقة حفاظا على حياة أبنائها وأمنهم وحرصا على ضمان سَير البرنامج الدراسي، وبين مؤيّد يعتقد بوجوبها في الحالات الاستثنائية

أين تسقط الآليات العادية فهي مبادرة حسنة تستحق الثناء و خطوة شجاعة تحتاج الاهتمام والتطوير فهي طريقة تدعم المتعلّم من خلال تقديم الدروس المسطّرة في المنهاج مع تبسيط شرحها فتعطيه الحد الأدنى من المعلومات الضرورية وتربطه بالمكتسبات القبلية ، فهذه الطريقة تعدّ دعما بيداغوجيا سيسهّل إزالة ما يعرف باسم " الدروس الخصوصية" التي أثقلت كاهل الأولياء وشتّتت انتباه التلاميذ وبين معارض يرى فيها خطوة مستعجلة فالعملية التعليمية نَقــُص فيها عنصر مهم وهو "المعلّم" الذي يعدّ العمود الفقري للمؤسسة التربوية فغيابه يؤثّر بشكل بالغ في التحصيل العلمي للمتعلم ولا يوجد بديل لدَوره، ناهيك عن عدم تعوّد المتمدرسين على هذا النمط من التعليم فالمتفوقون فقط من سيتابعون هذه الحصص. و المعلوم أنّ بعض العائلات الجزائرية تفتقد الوعي في مراقبة أبنائها وتتبّعهم في استكمال دروسهم .

وبين مؤيّد و معارض لهذه الطريقة فإنّ الدّولة الجزائرية سعت جهدها لاحتواء الوضع وإنقاذ العام الدراسي من شبح السنة البيضاء، وهي خطوة تحسب لها وترفع القبعة تقديرا واحتراما .


ثالثا- الحاسوب :


وهو مشتقّ من كلمة "حساب" فأوّل ما استعمل كان لحساب العمليات المعقدة بسرعة فائقة، وقد اكتشف أوّل حاسوب رقمي إلكتروني من طرف الدكتورين ( جون أتناسوف) و(كليفورد بيري) عام 1937م ويعتبر هذا الجهاز من أقوى المؤثرات التي دفعت بالتطور العلمي والتكنولوجي في العالم فالمتعلم يستعمله في تخزين المعلومات، والوثائق، والصور، ورسم البيانات ، فتوسعت مجالات استخداماته وزادت الحاجة إليه خاصّة في نهاية الستينات مع ظهور  " الأنترنت " التي أحدثت ثورة كبيرة في مجال الاتّصال فقد كان-الحاسوب- الأسهل والأسرع حيث أخذ التعليم به بُعدا آخر فكان خير وسيلة للتّعلم عن بعد للباحث عن العلم والمعرفة من خلال توفير مكتبات إلكترونية غنية بمراجع ومصادر الكتب وأندر البحوث والمصنفات . فكانت فرصة سانحة لمن لا يملك ثمن شرائها، ومن مميزاته أنّ المتعلّم به غير مقيّد بالوقت كالتلفاز والراديو مثلا، فمستعمله يبني محتوى الدرس ويبني عليه مهاراته بقدرته على توظيف مختلف الوسائل التعليمية من رسوم، وصور حيّة، وفيديوهات في البرنامج الواحد كالقصص المصوّرة مثلا في مادّة الفيزياء أو الكيمياء.


فالتواصل بين المعلّم والمتعلم حتى وإن لم يكن مباشرا فإنّه من خلال البريد الإلكتروني أو منصّات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك و الواتساب و اليوتيوب أو برنامج zoom مَكّن المدرّس من تصويب الخطإ وتقديم الشرح فيما عجز عن فهمه واستيعابه في المقررات الدراسية وكذا تقييمه من خلال الاختبارات .

وبعد هذا العرض الموجز نَخلُص إلى أنّه مهما اختلفت وسائل الاتّصال قديما وحديثا وتشعّبّت أساليبها إلّا أنّ لها رسالة سامية واحدة وهي تبسيط المفاهيم ، وإزالة العوائق لبلوغ الهدف وإشباع حاجة المتعلّم اللّامُتناهية للعلم والمعرفة. هذا الشّغف الذي توارثه العلماء والحكماء جيلا بعد جيل فكلّ شيء في هذه الحياة يرخص مع الوقت إلّا العلم فإنّه يَغلو ويرتفع ثمنه ويزيد السعي والإقبال عليه، فكما قال الكاتب( جي كيه شسترتون) : «التعليم روح المجتمع التي تنتقل من جيل لآخر» .

 بقلم: نجاة.س



التعبيراتالتعبيرات